التَجَذُّر
Sep 18, 2021التَجَذُّر
هو مصطلح بستخدمه كتير وبنصح الناس يستوعبوه ويطبقوه بشكل عملي في حياتهم، خاصة في هذا العصر السريع العجيب.
التجذر جاية من الجذر، انك تكون "متجذر" يعني تكون ثابت وقوي زي الشجرة الـ جذورها ممتدة جوا الأرض. الشجر القديم الـ بنشوفه الـ ممكن يكون بقاله مئات السنين موجود وثابت وعايش سر قوته مش الجزء الـ احنا شايفينه فوق، بل الجذور العميقة الطويلة المتشعبة جوا باطن الأرض وبتمد فروع الشجرة وأوراقها بالماء، وده من الأسباب الـ بيخلي في شجر عايش وسط الصحرا في درجات حرارة عالية وظروف مناخية قاسية جدا!
ورغم كده فالشجرة عندها مرونة عالية وتقدر تقاوم الرياح لدرجة كبيرة جدا وتتأقلم وتميل معاها من غير ما تتكسر، يعني ثبات الشجرة وقوة جذورها ميمنعش انها مرنة ولينة إلى حد كبير عشان تقدر تحافظ على بقائها.
وكذلك الإنسان عنده جذور قوية تخليه ثابت وقوي وهادئ في وسط دوشة الحياة اليومية وزحمتها وتوترها، ولكن للأسف ناس انقطعت عن جذورها ونسيتها، فأصبحوا ضعفاء ومشتتين فكريا ونفسيا وجسديا، وبسهولة ممكن أي حد يؤثر على طاقتهم ويستفزهم ويشقلب كيانهم بكلمة سلبية أو تعليق ع الفيس بوك أو يكسر عليه بعربية! مش بس كده ده في ناس عندها ما يسمى "بالحساسية الطاقية" -وكتبت عنها مقالتين كاملين- ودول ناس حساسين جدا للطاقة لكن معندهمش تجذر كافي فبيتأثروا بسهولة جدا بأي حد هم متصلين بيه وأي مكان هم موجودين فيه لو في شوية طاقة سلبية، وممكن التأثر يوصل لدرجة المرض والتعب الشديد أحيانا! ودي طبعا ظاهرة غير صحية ودول أكتر ناس محتاجين يقووا جذورهم، فما هي جذور الإنسان على المستويات المختلفة وكيف يقويها؟
الجذور الفكرية:
ماذا يعني أن تكون متجذرا فكريا؟
يعني تكون معتقداتك حقيقية ونابعة من تجربتك الشخصية. يعني لما تكون مؤمن بفكرة معينة، تكون مؤمن بيها لأنك فعلا مقتنع بيها وتسائلت وتأملت فيها وفي عكسها بانفتاح وأريحية، لحد ما اقتنعت بيها وارتحت لأثرها بشكل عملي في حياتك اليومية. أما انك تكون مؤمن بفكرة لمجرد ان هم قالولك عليها هو ده الصح ومينفعش تفكر في غير كده، فاعرف انك ضعيف فكريا ومهما دافعت عن فكرتك فاعرف إن اعتقادك هش وضعيف لأنك في العمق مش مقتنع بيه ولا مرتاح له بس خايف تفكر في عكسه لأن في ناس خوفتك. وأي معتقد مبني على خوف هو مبني على وهم وضعف مالهوش جذور وتجربة ملموسة حقيقية.
واعرف إن أيا كان معتقدك وفكرتك الـ انت مؤمن بيها وعايشها، مفيش مانع انك تفضل محايد وتراجعها وتقيسها لأنها ممكن تتغير وتتطور مع الوقت، بل لو فضلت طول عمرك عايش بنفس أفكارك ومعتقداتك هي هي اعرف انك عايش في حتة والكون والحياة الحقيقية في حتة تانية، لأن طبيعة الحياة هي التطور والتوسع مع الوقت والتجارب. وفي ناس كتير حواليك من مصلحتهم إنك تكون خايف ومتفكرش، لأن الخايف بيشتري أي فكرة تتباع له على أمل انها تحميه من الخوف الأعظم.
الجذور الشعورية والطاقية:
ماذا يعني أن تكون متجذرا شعوريا؟
يعني من الـ آخر تكون مشاعرك بتاعتك، مش أي حد يحركها ويؤثر فيها، مش أي حد يستفزك تُستفز ومش أي حد يغضبك تغضب ومش أي حد يهددك تخاف! الشخص المتجذر شعوريا مش شخص بارد ومش بيحس، لكنه شخص بيعرف يدير مشاعره ويتعامل معاها بحكمة. بيعرف يفصل ويتأمل قبل ما ياخد أي مشاعر جواه ويتأثر بيها ويعيشها. هو شخص عنده "مساحة سكون" بين رد فعله وأفكاره وبين مشاعره ... مش أي حد وأي حاجة يشوفها يتعلق بيها، بيحزن ويغضب ويعيش كل المشاعر البشرية لكن كل حاجة في وقتها وتاخد وقتها بعد كده يرجع تاني للتوازن والتجذر.
أكتر حاجة بتساعد على التجذر الشعوري هي ممارسة التأمل باستمرار، لأن التأمل بيعمل المساحة الداخلية الهادئة الـ انت محتاجها قبل ما تاخد أي رد فعل عنيف داخليا أو خارجيا، وطول ما التنفس بتاعك هادئ وعميق صعب أي حد يستفزك أو يؤثر في طاقتك. التنفس مرتبط ارتباط وثيق بنوعية أفكارك ومشاعرك وردود أفعالك، وده بنتعلمه وبنتدرب عليه دائما في تمرينات التأمل. اعرف إن معظم التأثر السلبي الـ بيحصلك بسبب تواجدك في مكان ما أو مع شخص ما، هو مش بسبب المكان ولا الشخص، لكنه بسبب تفكيرك وتفاعلك الداخلي ورفضك ومقاومتك للأفكار والأماكن والأشخاص والأشياء، هو ده الـ بيخليك أسير ليهم وبلا وعي تبدأ تمارس دور الضحية وتتخلى عن تحمل مسؤوليتك الشعورية.
الجذور الجسدية:
الناس الغير متجذرين كثيرا ما يكونون ضعفاء جسديا، بسهولة بيتعبوا جسديا لأسباب نفسية أو يتعدوا بسهولة من الأمراض وقد تكون مناعتهم ضعيفة وبيتعبوا جسديا بسهولة بشكل عام من أقل مجهود. وجدير بالذكر إن عدم التجذر الفكري والشعوري أكيد هيأثروا على الجسد لأن الإنسان كيان ونظام واحد متصل، لكن من أكبر أسباب الضعف الجسدي وعدم التجذر كذلك هو إهمال الجسد. أحيانا بسبب عدم وعي وعادات غير صحية منتشرة، وأحيانا بسبب فهم خاطئ وساذج للعلوم الروحية أنها تدعو لإنكار الجسد لأنه "وهم".
لا يخفى عليكم العادات الغير صحية المنتشرة في العالم كله وأكثرها ضررا هو الغذاء الغير صحي وعدم الحركة. وناس كتير مش مدركة مدى الضرر الذي يسببه الغذاء الغير صحي والطعام المصنع بأنواعه، مش بس على الجسم لكن على الأفكار والمشاعر كذلك! وكل ما يزداد وعي الشخص كل ما هيتجه تلقائيا للطعام الصحي الأقرب للطبيعة، وكل ما ده هيكون له أثر كبير وجميل في تشافي وتوازن جسده وأفكاره، إلى جانب ممارسة الرياضة طبعا، سواء كانت رياضة روحية من رياضات التأمل الحركي زي اليوجا أو التاي تشي أو أي رياضة عادية بتبذل فيها مجهود وتعرق وتحرك عضلاتك ومفاصلك.
أما السبب الآخر للضعف الجسدي هو التطرف في ممارسة العلوم الروحية بلا وعي وسوء فهم لعبارات مثل "أنا لست الجسد" على أنها تدعو إلى إهمال الجسد وعدم ممارسة الرياضة وأكل أي شيء في أي وقت "ما هو أنا مش الجسم عادي!" والمبالغة في ممارسة التأملات العميقة وتمارين الطاقة وشحن الشاكرات العلوية (أي مراكز الطاقة الروحية) مع تجاهل الجسد والشاكرات السفلية (أي مراكز الطاقة السفلية المرتبطة بالجسد والتجذر). والحقيقة يا صديقي إن ده وهم ناس كبير واقعة فيه إن الروحانية عكس الجسد وإنك عشان ترتقي روحانيا لازم تتجاهل الجسد لأنه "وهم مش موجود!" أمال مين الـ موجود؟
ولو جيت ضربتك دلوقتي مين الـ هيتألم؟؟
ولو حسيت بخطر بيحصل حواليك مين الـ هيجري؟؟
الحقيقة البسيطة الـ ناس كتير لسة مش مدركاها وبيهربوا منها هي انك كإنسان وحدة واحدة بتتكون من جسد ومشاعر وعقل وروح. وأي خلل على جزء فيهم هيؤثر على الباقي وأي توازن وانسجام هيؤثر كذلك على الباقي وهيخلي احساسك العام بالحضور والانسجام والاستمتاع أحسن وأجمل. أما الاهتمام بجزء واحد على حساب الباقي هو وهم كبير مالهوش علاقة بالوعي ولا الروحانية. ومقولة انك "تقدر تاكل أي حاجة وجسمك مش هيفرق معاه" هي كأنك بتقول بالظبط "هحط للعربية ميه بدل البنزين هتمشي عادي" أو"هحط بنزين 80 بدل 95 ومش هتفرق عادي إن شاء الله".
جسمك هو جزء من الطبيعة وقوانينها، فهمك وملاحظتك وإدراكك لقوانين الطبيعة وعيشك في تناغم معها هي خطوة أساسية عشان تكون واعي ومتزن ومتجذر.
الجذور الروحية:
وده الجزء المفضل عندي ... والـ بتمزج أوي وأنا بعيشه وبتكلم عنه ... وشغلت دلوقتي مزيكا بحبها كده لزوم الانسجام والروقان
انك تكون متجذر روحيا يعني انك تكون مدرك حقيقتك ومتصل بيها وعايشها. صحيح الجسد والمشاعر والأفكار جزء من كيانك، ومن غيرهم وجودك على الأرض مكانش هيحصل ولا كان هيبقى له معنى، لكن حقيقتك أكبر وأبعد بكتير من أي شيء متغير. انت موجود كـ"روح" أو وعي قبل ما تتجسد في جسد عنده عقل ومشاعر. المشاعر والأفكار والجسد على طول بيتغيروا، أما انت حقيقي ومش متغير. لأن حقيقتك مش حاجة ملموسة ولا مادية، والأصل في العبادات والأديان والعلوم الروحية انها وسائل بتساعد تتصل بحقيقتك - تتصل بمصدرك - تتصل بالخالق - بالإله. مش بحب أركز أوي في المسمى، لأن الناس ياما تاهت عن الحقيقة بسبب التصنيفات والمسميات الوهمية.
كل الـ كتبته فوق هو وسائل تساعدك تكون متجذر من اتجاهات مختلفة ... لكن التجذر المُطلق هو وعيك بحقيقتك اللانهائية ما وراء الأشياء المنتهية، المقيدة بقوانين الزمان والمكان. ادراكك لحقيقتك الروحية واتصالك بيها هو الطريق الوحيد للسلام الحقيقي؛ سلام غير مؤقت وغير نابع من أشياء مادية أو تعلقات خارجية، لكن نابع من اتصالك بالحقيقة الوحيدة الأبدية. عدم التجذر بمختلف أشكاله هو محاولة تعويض احساسك بالانفصال عن حقيقتك، من خلال أفكار أو أشخاص أو أشياء خارجية، والتجذر الروحي الحقيقي هو إدراكك إن انت الحقيقي مش أفكارك ولا مشاعرك ولا جسمك.
وده مش هيخليك منعزل ولا مهمل ولا مُنكِر لبقية أجزائك، بل هيخليك متحد معاهم ومتصل بيهم بشكل أجمل وأعمق. اتصالك بروحك هينعكس على علاقاتك ... هينعكس على حياتك العملية ... هينعكس على جسمك وأفكارك ومشاعرك.
وفي اعتقادي الرحلة الـ احنا فيها هي رحلة عودة للجذور ... الجذور الحقيقية ... عودة للمصدر.
وده مش بيحصل من خلال التفكير ولا الفلسفة ولا النظريات، لكن فقط من خلال الاتصال المباشر بالممارسة والتجربة.
من خلال ممارسة التأمل بأنواعه ... أي طريقة هتمارسها هتخلي عقلك أهدأ وتعلقاتك أقل، هي طريقك لروحك ... لحقيقتك ... للعودة للجذور ... للعودة للفطرة ... بعيدا عن الوهم ... بعيدا عن ضوضاء الماضي والمستقبل ... هنا ودلوقت