ما هي الحرية؟
Mar 29, 2018من فترة كتبت سؤال: ما هي الحرية؟
أول ما بنسمع كلمة حرية بييجي في بالنا صورة البنت المنطلقة الـ اديها فيها سلاسل متكسرة، السلاسل بتمثل القيود ... ممكن تكون قيود المجتمع أو قيود مالية أو قيود فكرية أو ممكن تكون قيود كتير. بس لفت نظري إن معنى الحرية بالنسبة لناس كتير هو تخلص من ضغوط وتحرر من قيود.
هل دي فعلا حرية؟ ولا هروب؟؟
في مشاهير كتير وصلوا لأقصى درجات الحرية المالية ... تحرروا من قيد معظم الناس شايفاه أكبر عائق في حياتها. أصبح عندهم تدفق ملهوش نهاية من الفلوس يقدروا بيها يسافروا أي مكان ويشتروا أي حاجة ولو فضلوا يسافروا ويشتروا كل يوم مش هيلحقوا يخلصوا فلوسهم لحد آخر حياتهم وحياة أحفادهم. الناس دي في منهم كتير انتحروا! اختاروا ينهوا حياتهم بإديهم بعد ما وصلوا لحاجة هي بالنسبة لناس كتير جدا "أقصى مراحل الحرية". يا ترى ايه الـ يخلي شخص يعمل كدة؟ الإجابة السهلة بتكون "ده بني ادم عبيط" "ده انسان كئيب" "ميعرفش ينبسط" "يجيبلي بس الفلوس دي وانا هبقى زي الفل". لكن الإجابات دي في حد ذاتها هي شكل تاني من الهروب.
الإنسان دايما لما يكون تحت ضغط من أي نوع، بيكون كل تركيزه وهدف حياته متمحور حوالين حاجة واحدة: انه يروح لأقصى الطرف التاني، وبيعتقد انه هناك هيلاقي السعادة والحرية والخلاص. البلد دي فيها ظلم وفقر وزحمة، لما أسافر وأعيش برا هلاقي الحرية. البيت ده فيه كبت وظلم وعنف، لما أتجوز أو أعيش لوحدي هلاقي الحرية. الشغلانة دي كلها قرف والتزامات، لما أشتغل شغل أنا بحبه هكون في قمة الحرية. في حين إنك لو سألت كتير من الـ هاجروا وعاشوا برا هتلاقيهم بيشتكوا إن "العيشة صعبة" و"مفيش أصعب من احساس الغربة"، ولو سألت كتير من الـ شغلهم هو شغفهم أو عايشين لوحدهم هتلاقيهم بيعانوا من تحديات مالية ومخاوف كتير وعدم احساس بالأمان، ولو سألت كتير من المتجوزين هتلاقيهم بيعانوا من نفس الظلم الـ شافوه من أهاليهم وأحيانا أسوأ. فين الحرية؟ هي الحرية مش موجودة ولا احنا بندور في مكان غلط؟ ولا احنا بنمسك في مسكنات نهدي بيها نفسنا ونهرب شوية من مشالكنا؟؟
الراهب الـ هجر العالم وراح ينعزل في جبل، هل ده فعلا إنسان حر ولا أصبح أسير الجبل؟ هل ده إنسان ناجح ولا فشل في التعامل مع الناس والمجتمع ومواجهة نفسه فهرب في الجبل؟
والشخص الـ انتحر بعد ما حقق كل الثروة والشهرة، هل ده فعلا حقق الحرية المالية؟ ولا أصبح أسير للمال؟! ولو لسة عايش وخدت منه فلوسه ... يا ترى هيكون ايه حاله؟؟؟
أول قيد بنحطه لنفسنا هو الرغبة في التخلص من كل القيود، من غير ما نفهم ولا نراقب، من غير ما نسأل نفسنا ولا نستوعب، عايزين نطير وننطلق ونتحرر ونتخلص من كل القيود ... كلمات براقة ظاهرها الحرية والنور باطنها الخوف والهروب.
ثاني قيد بنحطه لنفسنا هو رسم صور وهمية عن حياة الحرية في المستقبل وربطها بمكان أو شخص وأشياء خارجية، في اللحظة دي انت بلا وعي بتقرر تأسر نفسك لمكان أو شخص غير المكان ال انت فيه أو الشخص الـ انت معاه، والحقيقة ان مفيش أي تغيير حقيقي بيحصل غير شكل السجن الـ عملته لنفسك والـ decoration بتاعه ... لازلت أسير يا صديقي حتى تتعلم ...
ثالث قيد بنحبس بيه نفسنا هو لحظة الإحباط، هو لحظة لما تحقق كل الـ نفسك فيه خارجيا بعدين تصدم بالواقع الأليم إن لسة في حاجة ناقصة! ايه ده أنا لسة عندي مشاكل!! ايه ده أنا ليه مش حاسس بالحرية؟
والمرحلة دي خطيرة ومهمة جدا ... قد تكون نقطة سقوط وقد تكون نقطة تحول وقد تكون مجرد مسكن آخر في طرقات الوهم.
أسهل اختيار في المرحلة دي بعد مشاعر الإحباط هو انك تشوشر على نفسك بالتمسك بأمل تاني والسعي لحاجة تانية في المستقبل لما تمتلكها هتحققلك الحرية، وأحيانا بتكون عكس الحاجة الـ انت كنت بتسعى لها، وياما ناس قضت حياتها كلها من مسكن للتاني، من شوشرة للتانية بحثا وجريا ورا حاجة ملهاش وجود. اختيار سهل جدا وبيحصل بسرعة جدا وبيديك احساس مؤقت بالراحة والحرية الوهمية، لكنه لا يدوم إلا لحظات، وسرعان ما تتبخر نتائجه لأنها أصلا غير حقيقية.
تاني اختيار الـ ناس كتير بتلجأ له هو "الإحباط" والسقوط. الشخص عمل كل حاجة وسعى وتعب كتير عشان في الآخر يكتشف ان كله "فشنك" ... احساس الـ فشنك هو الـ خلى صاحب الأموال الطائلة ينتحر، لأنه عمل كل حاجة وملقاش معنى في الآخر وملقاش الحرية ال بيدور عليها! يعمل ايه؟ مقدرش يستحمل فكرة ان بعد كل ده بردو مفيش حرية، فكان قرار إنه ينهي حياته أسهل له من تقبل الفكرة. وناس كتير موصلتش للمرحلة دي بس بيختاروا الإحباط والإكتئاب. رفض لكل حاجة في الحياة .. عايش جسم بس مفيش رغبة لأي حاجة ويتقوقع ويحاوط نفسه كدافع حماية من الحياة ... لأن الحياة بالنسبة له أصبحت تعني الألم والإحباط فبيشوف إن الأسهل هو تجنب خوض التجارب وتجنب الحياة أفضل من مواجهة مزيد من الإحباط.
ثالث اختيار هو نقطة التحول والنقلة الحقيقية في الوعي. رجال أعمال بعد ما وصلوا لأقصى مراحل الثراء بدأوا يوهبوا أموالهم للفقراء والأعمال الخيرية، أدركوا إن في حاجة ناقصة ... أدركوا إن في عدم توازن والإشباع الحقيقي مش بيحصل بمجرد امتلاك مزيد من الأشياء. شخص مر بمعاناة وتجارب ومشاكل كتير، تعب من تعلق بعلاقة عاطفية فقرر يتجنب كل العلاقات "strong independent"، لكنه حس ان في حاجة ناقصة بردو! الفرق إن الشخص ده قرر يراقب نفسه ويفهم الخلل فين، أدرك إن الحرية الحقيقية والسلام مش موجود غير في "التوازن".
التوازن كلمة عادية مش براقة، التوازن كلمة لو شفتها إعلان كورس مش هتشدك أوي، مش زي "اليقظة الروحية والإستنارة اللولبية والحرية المهلبية". لكن من تجربتي، أكتر كلمات عادية هي أكتر معاني حقيقية وبتوصل لأقوى نتائج ملموسة ومادية. مفيش حاجة اسمها الحرية انك ترفض كل حاجة في المجتمع والحياة لأن الفكرة دي في حد ذاتها خليتك أسير للمجتمع والحياة، ومفيش حاجة اسمها الحرية بعد الموت لأننا أصلا موجودين من قبل ما نيجي في تجربة مادية، واختارنا اللعبة دي بالقوانين والقيود دي لأننا حابينها، وحابين نجربها ونرتقي من خلالها ونستمر في التطور والإستمتاع من غير ما نكون أسرى للصور المادية. طول ما انت متمسك بطرف، هتلاقي نفسك بتعاني من عكسه، وبعد شوية هتلاقي نفسك رافضه وبتجري ورا عكسه. طول مانت مش متزن هتفضل تعاني من تطرف للتاني وهتهدر طاقة حياتك في المحاولة البائسة للتخلص من أشياء والتمسك بعكسها، والتخلص من عكسها والجري ورائها في دائرة مفرغة ملهاش نهاية.
ابدأ راقب نفسك في حياتك بحيادية، راقب أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك وحركة جسمك، واسأل نفسك دون الحكم عليها: أنا ليه بعمل كدة؟ أنا فعلا عايز ده؟ أنا فعلا محتاج العلاقة دي ولا بهرب بيها؟ أنا فعلا عايز أكون هناك ولا بجري من نفسي؟ وواحدة واحدة هتبدأ تكتشف يعني ايه توازن، وهتبدأ تدرك إن ده الـ روحك بتدور عليه من زمان، وهتبدأ تتذوق الحياة وتستمتع بيها بكل فصولها وألوانها، وتدريجيا وتلقائيا هتكون انت نفسك أداة توازن لبيئتك وأسرتك وأصدقائك والمجتمع الـ حواليك. والجميل في الموضوع انك مش محتاج تمر بكل المراحل الـ فوق، ولو مريت بيها مش محتاج تطول أوي فيها، تقدر تقرر دلوقتي تكون متوازن وتتعلم فنون التوازن وتستمتع بالطريق.
مفيش مشكلة انك تعيش في أي مكان انت حابه وتشتغل شغل منسجم مع روحك وتختار تعيش مع ناس شبهك؛ بس متكونش بتعمل ده وانت بتهرب من نفسك، وميكونش عندك مشكلة انك تكون موجود ومتعايش ومتقبل ومستمتع مع ظروف هي "مش أحسن حاجة" ومش هي بالظبت الـ انت حاببها، ومتكونش عبد للظروف الخارجية. هو ده التوازن .. وهي دي الحرية